التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 9

أهلًا بالجمهور الكريم!

رأينا في الحلقة الماضية على  “مصحف باريسنو – بتروبوليتانس” وبالضبط في الرقعة 10 ب يعني باريسو، تعيير واضح في كلمة (كلالة)

ورأينا كيف علماء التفسير عند المسلمين اختلفوا في تأويلها

أشار الدكتور “فرانسوا ديروش” لمسح أصل الكلمة وإعادتها بشكل آخر، ولم يدخل في متاهات مادة (الفيلولوجيا) لأنها ليست من اختصاصه،

بهذا، رأينا الدكتور “ديفيد باورز”  أشار بهذا التغيير، وقدّم أطروحته التي تتلّخص في أن الكلمة صُحّحت في العصر العباسي،

 ولاحظ غياب رقعة واحدة بين الرقعة 19 والرقعة 20

وما يظهر منها سوى الحاشية، وفي الرقعة 20 ازدحمت الأسطُر وزادت من 25 إلى 27 سطرًا

وذلك من أجل إضافة أخر الآية في سورة النساء حسب رأيه مُلحق تشريعي ليتناسب مع ذلك التغيير، يعني تغيير كلمة كلالة إلى كانت موجودة في الآية 12

وبحسب رأيه فإن هذه الآية الأخيرة من سورة النساء لم تكن موجودة في عصر الصّحابة، وطرحنا سؤالًا مهمًا وهو: هل ما توصل إليه الدكتور “ديفيد باورز” مقبول من الناحية النظرية؟ للردّ على هذا السؤال نحتاج إلى مادتين، علم الخطاطة والفيلولوجيا معًا

وبالتدقيق في الرقعة العاشرة على كلمة كلالة نُلاحظ عدد المصحّحين ليس واحدًا، كما أخبرنا الدكتور “باورز”

وإنما اثنين، فالكلمة بصعوبة تظهر أنها كانت ك ل ه وأضيف لام عليها فأصبحت ك ل ل ه

 ثم أعيدت كتابتها في العصر العباسي بخط يختلف عن الخطّ المائل أو الحجازي

وبالتركيز على الكلمة الأصلية ك ل ه نجد أنها مُعظم اللغات معناها (كنّة )

متل اللغة السريانية، والعبرية والمندائية، وكانت موجودة كذلك في اللغة العربية الجنوبية القديمة كلّة.

 كما ذكر الدكتور “ديفيد باورز” إذًا كلمة (كلّة) في الآية 12 من سورة النساء تعني (كنّة) زوجة الابن

وفي سياق الآية تعني زوجة الابن المتوفى قبل أبيه

أمّا الكلمة بالتعريف ا ل ك ل ل ة كلالة في أخر سورة النساء جاءت مفهومة بوضوح في سياق الآية وتعني الهالك نفسه أي الميت.

وهذا ما وجدناه بالضبط في قاموس اللّغة المندائية.

فالكلمة جاءت بلامين ك ل ل بمعنى ينتهي أو يموت.

وعبارة نال الإكليل في الفكر المسيحي إلى اليوم تعني مات،

 وذلك كما ورد في سورة .. في سفر الرؤية الاصحاح 2 العدد 10 يقول «كُنْ أَمِينًا إِلَى الْمَوْتِ فَسَأُعْطِيكَ إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ» (سفر الرؤيا 2: 10)

إذًا كلمة كلالة في الآية 12 من سورة النساء كانت في الأصل كلّة وتعني الكنة، وهي زوجة الابن

 وفي الآية الأخيرة من نفس السورة وكانت بالتّعريف الكلالة معناها الميّت نفسه.

ولا يوجد أي تضارب في الآيتين، وجود هذه الآية في آخر السورة وليست أوّلها مع باقي آيات الإرث تبرّر هذه وجودها في هذا المكان بكلمة “يستفتونك”

 يعني جاءت في مرحلة لاحقة من وضع التشريع في أمور الإرث وليس بالضرورة في العصر العباسي

وخاصة الازدحام في الأسطر وزيادتها بسطرين في الرقعة 20 وغياب رقعة من الكراسات الثالثة من هذا المصحف ليس أمرًا مهمًا

خاصة أنّ الناسخ الذي كتب هذه الأسطر هو نفسه النّاسخ الأصلي،

وفُقدان رُقعة هو أمر عادي في عملية التدوين عند وقوع الخطأ،

 أمّا القول أنّ وجود كلمة الكلالة في أخر السورة دليل على إضافة في عصر آخر من التدوين فهذا لا يستند على أساس علميّ

فنأخذ على سبيل المثال في سورة الشّعراء الآية الأخيرة تظهر فعلًا وكأنّها أضيفت لاحقًا لطولها غير اعتيادي في سورة الشعراء

 واستثناء شعراء المسلمين بعدما ذمّ النصّ القرآني الشّعراء كلّهم في أقوالهم وفي أفعالهم في  الآيات 224 و 226

إلا أنّ هذا ليس بالضرورة إضافة لاحقة في عصر من العصور، وإنّما في فترة التدوين نفسها لتسلسل الآيات

كذلك مثال آخر في سورة المزّمل نُلاحظ بوضوح طول الآية المُلفتة للانتباه، يعني أقصد الآية الأخيرة أنّها بها أكتر من 70 كلمة

بينما الآية التي قبلها فيها 9 كلمات فقط.

شيء آخر هو القافية في كلّ السورة ال قليلًا ترتيلًا ثقيلًا قيلًا طويلًا إلى أخره، أمّا الآية الأخيرة جاءت بالضمّ، رحيم.

ما يمكن القول إن الآية في الواقع شرح وتوضيح لقيام الليل الذي تتحدّث عنه الآيات الأولى في السورة

وبالتالي: هي كسابقتها في سورة الشعراء وليس بالضرورة من عصر آخر يلي مرحلة التدوين بفترة.

ولكن يمكن القول: إنّ النصّ القرآني خضع لتطوّر ومراحل وهذه مرحلة وقعت أثناء التدوين نفسه

وبالعودة إلى الآية الأخيرة من سورة النساء، يمكن أن نرجّح القول إنّ الناسخ الأصلي نسي سهوًا الآية أو اثنين ثم أزال الرقعة ناقصة في الكراسة الثالثة من مخطوطة Arabe 328a

فأعاد تدوين ما كان فيها بتكملة الآيات كلّها، لهذا جاءت مكتظّة وزيادة سطرين عل المُعتاد

ختامًا لما رأينها يُمكن للمشاهد الكريم أن يتساءل: هل حدث آخر أيضًا من هذا النوع في هذا المصحف؟

الجواب نعم، هناك كلمة أخرى تغيّرت 3 مرات في الرّقعة 56 أ من سورة الحِجر.

ويظهر هذا التّغيير بوضوح على نفس الكلمة في 3 مواضيع، في هذه الصورة وهي الآية 26  28  33

والكلمة هي صلصال، هذه الكلمة كذلك توجد في سورة الرحمن الآية 14

فهل تغيّرت هي كذلك، الجواب للأسف الرقعة الموجودة أو الرّقع الموجودة بين أيدينا من “مصحف باريسنو – بتروبوليتانس” لا توجد بينها الرّقعة التي تحمل سورة الرحمن الآية 14

وذلك للتأكيد من التغيير، لكن على الأرجح أنّها كسابقتها في سورة الحجر

ولتقديم معلومات عن هذا التّغيير على كلمة صلصال انتظرونا في الحلقة المُقبلة وإلى اللقاء!


download text file

Early History of Islam 009

You may also like

التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 107 | مَلَكَة اليمين (الجزءالثاني)
أهلًا بالجُمهور الكريم! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن موضوع ملكت [...]
1 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 106 | مَلَكَة اليمين (الجزء الأول)
أهلًا بالمُتابعين الكرام! في أيامنا هذه كثُر الحديث عن رجوع جماعة [...]
7 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 105 | الخريطة الدينية لأرض الحجاز عند ظهور الإسلام
أهلًا بالمُتابعين الكرام! لقد قدّمنا سلسلة من الحلقات حول موضوع البيئة [...]
2 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 104 | الأصل اللغوي للقرآن
أهلًا سهلًا بالجمهور بالمُتابعين الكرام! رأينا في الحلقة السابقة سلسلة [...]
9 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 103 | مقارنة مخطوطات مدراش ربا، وصحيح البخاري
أعزّائي المُتابعين أهلًا وسهلًا بكم! رأينا في الحلقة السابقة الرابط [...]
4 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 102 | هل القرآن ثمرة عمل جماعي؟
أهلًا بالمُتابعين الكرام! لم نُكمل بعد سلسلة حلقات البيئة التي ظهر [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 101 | التأثير المباشر على القرآن
أهلًا بالمُشاهدين الكرام! في الحلقة 99 من هذا البرنامج، تحدّثنا على [...]
15 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 100 | خلاصة مائة حلقة من البرنامج
أهلًا بالمُتتبّعين الكرام!  بفضل تشجيعكم وتفاعلكم مع المواضيع التي [...]
1 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 99 | هل تلقى الرسول تعليمه على يد أعاجم؟
أعزائي المُشاهدين، أهلًا وسهلًا بكم في حلقة جديدة من برنامج (التاريخ [...]
7 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 98 | خلاصة دراسة اسم مريم بنت عمران
أهلًا بكم أعزائي المُشاهدين! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن مسألة خلط [...]
10 views

Page 3 of 13

اترك تعليقاً